الأبيض والأسود في رواية «أحببت هذا الرجل» لـ رانيا كمال

د. نهى الزركاني

يشكل اللون عنصرا مهما في تشكيل العلامة التي يحيل بوساطتها على دلالة ما, فاللون له دلالات مختلفة على المستوى الديني والاجتماعي التي لا يجب ان يلتزم بها ذهن المتلقي حسب تصور معين يقيد بها دلالته ضمن سياق النص. فليس للون دلالة ثابتة بل هي متغيرة بحسب سياق النص الذي وظف فيه, وهو في الوقت نفسه يمارس فيه سلطة معينة تشير باتجاه جانب ما.
وقد يعمد الكاتب الى جمع متضادات الألوان في متن النص لتشكيل صورة من التناقض الذي تعيشه الشخصية أو المجتمع الذي خلقت فيه , ففي رواية (أحببت هذا الرجل) تتشكل لوحة متناسقة من المتضادات التي تقدم صورة دقيقة سيميائية عن حياة الكاتبة الصحفية (رسول الهاشمي) :
(منزل كبير لكاتبة ومذيعة بالراديو اسمها(رسول الهاشمي ) جدران المنزل الخارجية والداخلية بيضاء, أثاث البيت كلاسيكي يشبه زمن الخمسينات, يحتوي على الكثير من التحف القديمة, عرفت وتميزت بحبها للون الأبيض.. فهو يشاركها في جميع تفاصيل حياتها, حتى أطلق اصدقاؤها ومعارفها على منزلها لقب البيت الأبيض للكاتبة (رسول الهاشمي)..) تتشكل تفاصيل المكان الذي تقيم فيه الشخصية باللون الأبيض ويرتبط ذلك ارتباطا مباشرا مع تشكيل روحها , فهو مبعث للأمان بوصفه يرمز للوضوح والهدوء 🙁 رسول امرأة تشعر بهدوء النفس عندما ترى اللون الأبيض ولذلك كانت حريصة أن يكون منزلها وأثاث البيت باللون الأبيض) إن جميع التفاصيل التي تؤثث ذلك المكان غير خاضعة لتخطيط مسبق بل هي مقيدة ومرتبطة مع تراتبية الحدث واستدعائه لتلك التفاصيل … إنها رموز لغوية تحيل على دلالات يستمتع المتلقي بالتقاطها دون التصريح بها .
وفي الوقت نفسه الذي تلتزم الشخصية اللون الأبيض في تشكيل الأمكنة خاصتها , تلتزم ضده اللون الأسود في ملبسها حتى انمازت به بين معجبيها : ( لن أسألك لماذا تتعمدين ارتداء اللون الأسود بالرغم من حبك للون الأبيض كما ذكرتي ذلك كثيرا في مشوراتك ) المفهوم الحسي لأدراك اللون يسبغ على شخصية (رسول) مسحة من الحزن والانعزال واليأس, بالأخص إن ارتدائها للون الأسود كان قد جاء بعد مأساتها مع زوجها فريد الذي أفقدها الأمل في ممارسة حياتها بعد انفصالها عنه. توظف الكاتبة اللونين الأسود والأبيض لتحتجز شخصيتها بينهما وتقدمها بلا ألوان , حتى العتبة الأولى التي تمثل صورة مختصرة عن المتن كانت متوشحة بلون قاتم متواشجة مع صورة الغلاف الأخير الذي يتلون هو الآخر بلون قاتم . مع صورة للروائية ترتدي اللون الأسود أيضا , تزامنا مع ثيمة النص التي تصور سوداوية المجتمع الشرقي الذي يحجم المرأة بنقاط محددة.
إن توظيف اللون بوصفه علامة سيميائية ربما يعطي للمتلقي تصورا وخطوطا أولية (اسكتش) تكتمل مع تطور الأحداث وهي تقول وتفعل, أو ربما يعطي ايحاءً بذلك.
كما أن تلك القدرة التي يمتلكها اللون في إحداث تأثيرات نفسية لدى الإنسان وإمكانية دلالية في تشكيل الشخصية تختصر الكثير من المفردات عبر تشكيل وعي المتلقي في تأثيث المشهد , مرة وهو يمتاح من مخزون وعيه عن رمزية اللون , وأخرى وهو يحيك خيوط دلالته ضمن تيار السرد عن طريق العبارة والفعل والاحداث:( كيف تمنحين هذا اللون الأسود رونقا خاصا عندما ترتدينه؟ كيف تمنحين هذا اللون الجنائزي حياة؟ كيف تمنحين هذا اللون الوقور ثورة ؟) هذه الرسالة التي بعث بها أحد المعجبين بشخصية الكاتبة هي بمثابة حلقة الوصل بين الأبيض الذي يحيط ب(رسول) والأسود الذي سجنت نفسها فيه بعد انكسارها على الرغم من ملامح القوة التي كانت تبدو عليها ولكنها في الوقت نفسه تمنحها دورا مهما في اصرارها على التحرر من شرنقة الحزن التي أطرت تفاصيل حياتها .
الرواية شأنها شأن روايات ما بعد الحداثة التي بحثت في مشكلات المرأة في المجتمع الشرقي والحديث على لسان المهمشين والمسحوقين , فهي فن لصيق بالمجتمـع يتمثلـه في جميع تفاصيلـه , فهـو ديـوان العرب الجديد على حد تعبيـر النقاد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة